اعمال ادبيةتوثيقات

الكاتب ياسر شلبي محمود

عودةٌ .. أم سراب

الجزء الخامس . القولُ الفصل
لعل القولُ الفصلُ في تلكمُ القضيةِ ( قضيةُ نزولِ عيسى عليه السلامُ وعودتِه ) ، إنما يتمثلُ في زبدةِ القولِ فيما قدمنا في الأجزاءِ السابقةِ على المستويينِ : الفكري ، والتفسيري لآي القرآنِ الكريمِ .
ولو أن علماءَ الأمةِ قد انتبهوا جيدًا لمحكمِ القرآنِ الكريمِ مع شئٍ مِن تأملٍ وتفكُرٍ ، منفصليْنِ ـ ولو مؤقتًا ـ عن مروياتٍ نُسِبَتْ إلى السنةِ حتى يشبعوا منه نهمهم ، لأنارَ اللهُ بصيرَتَهم للحقِ المبينِ ، ولأنقذوا أنفسَهم والأمةَ مِن الوقوعِ في آتونِ الفتنةِ ، إذ أن القرآنَ واضحٌ وصريحٌ ولمْ يحتج منا ـ فقط ـ سوى أن نتفكر .
والقولُ الفصلُ إنما يتمثلُ في قولِ اللهِ تعالى المحكم : { إني متوفيكَ ورافعك إليَّ } ، مع الربطِ بينها وبين ما هو محكمٌ في آيةِ التكليمِ في الكهولةِ ، مع ما هو مستفادٌ من قولِ عيسى نفسِه وهو في المهدِ حينَ أخبرَ أنه سيموت .. إذ أنَّ لفظةَ الوفاةِ ـ كما ذكرتُ آنفًا ـ أبلغُ مِن لفظةِ ” موتٍ ” في الإفادةِ بعدمِ الرجعةِ ، ولذلك قال اللهُ تعالى عن العزير ( فأماته اللهُ مئةَ عامِ ) ولم يقل أنه توفاهُ لأنه سيرجعُ ، كما قال عن عيسى ” ويُحييَ الموتى بإذن اللهِ ” ولم يقل أنه يُحيي المتوفينَ لأن الموتَ بمشيئةٍ من اللهِ تعالى يمكنُ فيهِ الرجوعُ بإذنِ اللهِ لمهمةٍ وغايةٍ محدودةٍ ، بينما الوفاةُ لا رجعةَ منها لأنها استيفاءٌ كاملٌ وحقيقيٌ للأجلِ وللعملِ وللرزقِ من الدنيا ، كما أن النومَ استيفاءٌ غيرَ كاملٍ ومجازي من حركةِ النهارِ والسعي فيه ، فضُربَ النومُ بالليلِ مثلًا لإمكانيةِ البعثِ في آيةِ ( وهو الذي يتوفاكم بالليلِ ) حيثُ وُضِعَ الليلُ بالنومِ مقابلَ البرزخِ في الموتِ ، والنهارُ بحركتِه في مقابلِ النشورِ والبعثِ بقيامِ الساعةِ ، ومِن غيرِ هذا التوظيفِ لكلمةِ ” وفاة ” ، فإنها لا تُطلقُ قطٌ إلَّا على معنى الموتِ الدائمِ والحقيقي ، ولا يمكنُ أبدًا أن تطلقَ بإطلاقٍ على النومِ ، ومِن هنا كان إحكامُ الآيةِ ( إني متوفيكَ ورافعكَ إليَّ ) فيكونُ معناها كما قال اللهُ عز وجل دونَ تأويلٍ .
وإذا ما وضعنا ذلك المعنى المستفادُ ، إلى جانبِ ما هو مستفادٌ بالقطعِ في آيةِ التكليمِ ، لوجدنا النتيجةَ الحتميةَ مفادُها يقولُ : أن وفاةَ عيسى عليه السلامُ لا رجعةَ فيها مطلقًا ، ذلك أن الكهولةَ قد عاشها بالفعلِ وأُوحيَ إليه فيها قبل أن يتوفاهُ اللهُ ويرفعهُ إليه .. لأن التكليمَ قد ثبت في كتابِ اللهِ نفسِه ـ بما يفيدُ بلاغتَه وفصاحتَه وعدمَ احتياجِه لطرفٍ خارجيٍ في تفسيرِه ـ بأنه في مرحلتي المهدِ والكهولةِ ، إنما هو تكليمٌ بالوحي وبالنبوةِ والرسالةِ بما يقطعُ الشكَ باليقينِ ، حيثُ قال المولى عز وجل في آيةٍ أخرى :
{ إِذْ قَالَ اْللهُ يَا عِيسَى اْبْنَ مَرْيَمَ اْذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُكَ بِرُوحِ اْلْقُدُسِ تُكَلِّمُ اْلنَّاسَ فِي اْلْمَهْدِ وَكَهُلًا }
هذه الآيةُ الكريمةُ إنما تفيدُ القطعَ بالثبوتِ والدلالةِ ، على أن التكليمَ إنما كان في المرحلتينِ تكليمٌ في شأن الوحي والنبوةِ ، ولم يكن أبدًا كلامًا عامًا ككلامِ الناسِ لأن الآيةَ تخبرُ صراحةً أن تكليمه الناسَ في الكهولةِ كان مؤيدًا بروحِ القدسِ ، مما ينتجُ عنه بالضرورةِ نتيجةٌ حتميةٌ قاطعةُ الشكِ باليقينِ ، وقاطعةُ الثبوتِ والدلالةِ أن التكليمَ في الكهولةِ قد تمَ قبلَ الوفاةِ والرفعِ حيث كان نبيًا مرسلًا وهذا مِن ناحيةٍ .. ومِن ناحيةٍ أخرى لا يمكنُ انتظارَ وقوعِهِ مستقبلًا ( أي الكلامُ في الكهولةِ مع تأييدِ الوحي ) لأن ذلك يكون متعارضًا مع عقيدةِ ختم النبوةِ ، كما لا يمكنُ نزولَهُ ليكلمَ الناسَ من غير أن يكونَ نبيًا وقد قال اللهُ صراحةً أن تكليمَه لهم في مرحلةِ الكهولةِ كان مؤيدًا بروحِ القدسِ الذي هو علامةٌ على النبوةِ .. فإذا ما أخذنا تلكمُ النتيجةُ لإضافتِها إلى ما استنتجناهُ في آيةِ الوفاةِ ، لتأكدتْ نتيجةُ آيةِ الوفاةِ وترسختْ ، مِن أن الوفاةَ هي وفاةٌ لا رجعةَ فيها في هذه الحياةِ الدنيا ، لِمَا ثبت من أن الكلامَ في الكهولةِ قد تم قبلها وليس من كلامٍ منتظرٍ بعدها .. فإذا ما أخذنا قوله عليه السلامُ في المهدِ : ( وسلامٌ عليَّ يومَ ولدتُ ويومَ أموتُ ويومَ أُبعثُ حيًا ) ، لتولدتْ نتيجةٌ أخرى مفادها أن عيسى عليه السلام سوف يموتُ ، لأنَّهُ متسقٌ مع قولِ اللهِ ( كلُ نفسٍ ذائقةُ الموتِ ) ، فإذا ما أضفنا هذهِ النتيجةَ ( وهي حتميةُ موت عيسى عليه السلام ) إلى نتيجةِ ” ألَّا كلامَ مستقبلًا ” ، ونتيجةِ بحثِنا في آيةِ ( وإن مِن أهلِ الكتابِ إلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بهِ ) حيثُ أفضى إلى عودةِ الضميرِ على الكتابي وليس على عيسى عليه السلام ، ثم دُمجوا جميعًا ـ لاستكمالِ الدائرةِ ـ إلى نتيجةِ ” ألَّا رجعةَ في الوفاةِ بحكمِ معناها اللغوي ” ، لتكونت من تلكمُ النتائجِ نتيجةٌ كليةً ونهائيةً مفادُها أن الوفاةَ المذكورةَ في آيةِ ( إني متوفيكَ ) إنما هي وفاةُ موتٍ لا رجعةَ فيه ، لأنه موتٌ إستعمِلتْ فيه لفظةُ ” وفاةٍ ” الأبلغُ في المعنى لعدمِ الرجعةِ في الدنيا .. وذلك هو القولُ الفصلُ في كتابِ اللهِ عز وجل ، الذي لو انتبه إليه العلماءُ بنظرةِ إحاطةٍ وشموليةٍ لأراحوا أنفسَهم وأراحوا الأمةَ من عناءِ أثرِ ذلك المعتقدِ الضالِّ في نزولِ عيسى عليه السلامُ على المستويينِ : العملي والعقائدي كما سنتبينُ حالًا .
والخلاصةُ
ـ أن قضيةَ نزولِ عيسى عليه السلامُ لم نعثر لها على أثرٍ في كتابِ اللهِ المحكم ، ولم يتكلم عنها القرآنُ الكريمُ مطلقًا ، سواءٌ كان الكلامُ ضمنيًا أو صريحًا .. وأن الآيات التي كان يظنُ فيها الظانونَ أنها تخصُ نزولِه قد ثبت أن لا علاقةَ لها بعودةٍ أو نزولٍ قط ، بما يجعلُها في مخيلةِ الحالمينَ سرابًا وليستْ عودةً ، مما يكون له الأثرُ البالغُ بالسلبِ في القرارِ السياسي والاستراتيجي للأمةِ حيثُ الانتظارُ المميتُ ، والاتكالُ على سرابٍ مِن غيب .
ـ أن الجانبَ الفكري بما فيه مِن أدلةٍ عقليةٍ ، لا يمكنُ إغفالَه في هذه القضيةِ وهو ما ذكرناهُ في الجزءِ الأولِ وفي هذا ، وبخاصةٍ إذا ما تبين الخللُ الرابطُ بين المعتقدِ في نزولِ عيسى وبين مسلماتِ القرآنِ الكريم ، وإلَّا ـ في حالِ استمرارِ هذه الحالِ ـ يكون العقلُ قد أصبحَ عقلًا مريضًا خرِبًا وصارَ المرضُ فيه عُضالًا ، فضلًا عن كونِه مِن الأصلِ عقلًا خرِفًا .
فلو أخذنا مسلمةَ القرآنِ الكريمِ في ختمِ النبوةِ وألَا نبيَ بعد نبي اللهِ محمدًا ، ثم أخذنا المسلمةَ الفكريةَ بأن الأنبياءَ لا تزولُ عنهم صفةُ النبوةِ لأن في زوالِها عنهم إساءةٌ وعقابٌ وإنقاصٌ من شأنِهم ، لوجدنا الخللَ يكمنُ في استمرارِ الاعتقادِ بنزولِ عيسى عليه السلامُ مِن غيرِ أن يكونَ نبيًا ، بنفسِ القدرِ الذي يكونُ فيه الخللُ في استمرارِ المعتقد بنزولِه ليفعلَ أفعالًا لايمكن أن تكونَ إلَّا بتأييدٍ بروحِ القدسِ وهو ما يعني أنه سينزلُ بتلك الأفعالِ نبيًا ، لأنها تتعارضُ مع فكرةِ نزوله غيرَ نبي إذ كيف له أن يفعلَها ، ومن ثم فإنه ليس بد من الاصطدام بين حقيقتينِ متضاربتينِ وهما : إما أن تكون تلك الأفعالُ هي أفعالُ نبي ــ وإما أن تكون أفعالًا كاذبةً لا أساس لها من صحةٍ لأن فِعلَها من غيرِ نبوةٍ مستحيلٌ ، حيثُ ليس بد من مُرَجَّحٍ نحتكمُ إليه ، وهو أن نعودَ مرةً أخرى إلى مسلماتِ القرآنِ الكريمِ في ختمِ النبوةِ ليتأكد لدينا حقيقة الكذبِ والإدعاءِ في حدوثِ هذه الأفعالِ بعد ضرورةِ رفع صبغةَ النبوةِ عنها ، وبما أن هذه الأفعالَ منتفاةٌ لاستحالةِ حدوثِها من غيرِ نبوةٍ ، فإنه تبعًا لذلك ينتفي بالضرورةِ أيضًا وجودُ فاعلٍ يفعلُها .
ـ ومِنَ البراهينَ العقليةِ التي لا يجبُ أن تغيبَ هي عن عالِمٍ ، إنما هي فكرةُ إنزالِ الأنبياءَ عند منازلِهم .. إذ لا يمكنُ أن يضعَ اللهُ قدرَ نبيٍ مِن أنبيائِه ، كما لا يمكنُ أن يضعه موضعَ العامةِ مِن أمتِه أو من أمةِ نبيٍ بعدهُ أو قبلِه ، ولكن قد يمكنُ فقط أن يتبعَ نبيًا مثله إن فُرِضَ وأوجدهُ اللهُ في زمنِه وهو فرضًا مستحيلًا مستقبلًا لفواتِ فرصتِه مطلقًا ، مما يُستَنْكرُ معه فكرةُ ائتمامِ نبي اللهِ عيسى بإمامٍ من أمةِ محمدٍ صلى اللهُ عليهما وسلم ، بل يكونُ مِنَ الوِسعِ بمكانٍ القولُ بأن ليس بد مِن إحلالِه عند فرضِ نزولِهِ محلِ نبي الأمةِ في الإمامةِ ، وفقَ مسلَّمةِ أنَّ النبوةَ لا تزولُ عن الأنبياءِ قط ، مما يصطدمُ مرةً أخرى مع فكرةِ نزولِه غيرَ نبيِ .. كما تصطدمُ فكرةُ نزولُه نبيًا مع مسلمةِ ختم النبوةِ .
ـ كما لا يمكن أن يغيبَ كذلك عن عالِمٍ ، أن فكرةَ حكمِه عند نزولِه بشريعةِ محمدٍ ليستْ مسوغًا لدرءِ فكرة نزولِه غيرَ نبي ، إذ كان أنبياءٌ كثرٌ يحكمونَ بشريعةِ مَن قبلهم مِن الأنبياءِ ، كيوشع بن نون بعد موسى ومَن بعدِ يوشع ، حتى عيسى نفسَه عليه السلام قد كان يحكم في زمنِه وهو نبيٌ بشريعةِ نبي اللهِ موسى ، مما لا تُقبلُ معه فكرةُ نزولِه غيرَ نبي لمجردِ أنه سيحكمُ بشريعةِ نبي اللهِ محمدًا صلى اللهُ عليه وسلم لأنها ليستْ مسوغًا لنفي النبوةِ عنه في فرضِ نزولِه .
ـ أما الفكرةُ التي هي بحقٍ تُظهرُ سفهَ القائلينَ بنزولِه مما قد يُحاسبوا عليها حسابًا عنيفًا واللهُ أعلمُ ، إنما هي الفكرةُ الدائرةُ حولَ حزمةَ الأهدافِ التي سينزلُ مِن أجلِها ليحققِها ، ومِن أهمِها بيانَ حقيقتِه مِن أنه عبدُ اللهِ وليس ابنًا له وأنه ليسَ إلهًا ، ناهيكَ عن سذاجةِ أهدافٍ أخرى كقتلِه للخنزيرِ وكسرِهِ الصليبَ ، وإتمام دعوة الإسلامِ بشريعةِ محمدٍ وهو ما يتنافى مع كونِه ليس نبي حين فعلِه هذا من ناحيةٍ ، ومع ختمِ النبوةِ من ناحيةٍ أخرى .. أما السفهُ الذي يتجلى في فكرةِ بيانِ حقيقتِه ، فإنه يكمنُ في نسيانِهم وتناسيهِم ، بل وفي غفلتِهم الشديدةِ عن كون ذلك من مهامِ القرآنِ الكريمِ ، ومِن مهامِ الرسولِ الذي أُرسِلَ به ، وهو باقٍ ( أي القرآنِ الكريمِ ) بإذنِ اللهِ ومشيئتِه إلى حيثُ أرادَ اللهُ أن يبقى ، فمن آمنَ به فقد آمَنَ ، ومَنْ كفرَ فإنَّ موعدَهُ يومَ القيامةِ حيثُ جهنمَ وساءتْ مصيرا ، والقولُ بأن عيسى سوف ينزلُ لإتمامِه فيه وشايةٌ بأن محمدًا لم يقم بالمهمةِ كاملةً وحاشاه بل قد تم له الدينُ بشهادةِ القرآنِ .. ثم كيف لعيسى عليه السلامُ أن ينجحَ في مهمِتِه فيهدي البشريةَ جميًعا إلى الإسلامِ وهو ليس نبي بينما لم ينجح في ذلك وهو نبي كما لم ينجح نبيٌ من الأنبياءِ قط في فعلِ ذلك ولا حتى النبي الخاتمِ وأمتِه مِن بعدِه وهي في مجدِها وقوتِها ، وقد كانوا جميعًا مؤيدينَ بنصرِ اللهِ بحيثُ لو أراده اللهُ لكان ، ولكن ذلك لم يشأهُ اللهُ قطُ مِن إرسالِه الرُسلَ ليقعُ البلاءُ والاختبارُ ، وليُجازي بالثوابِ والعقابِ ، ثم ما هي قيمةُ كَفَرَةُ زمنِ الساعةِ وهم قد تفوقوا على الشيطانِ نفسِه حتى يُبعث إليهم عيسى من جديدٍ ليهديهم دونَ مَن سبقتهم مِن أجيالٍ وكلهم يعلمونَ ما جاءَ به محمدٌ في شأنِ عيسى جيدًا ، فما بالُنا وهو بَعْثٌ لن يكونَ فيه نبيًا في ظنِ السفهاءِ ليلتفوا به على عقيدةِ ختمِ النبوةِ ، بينما مجردُ الاقتناعِ بشخصِه إنما يكونُ في حاجةٍ إلى تأييدٍ سماويٍ بآياتٍ إعجازيةٍ تثبت شخصيتِه ، وهو ما لا يجدي لمَّا كان ذلك وهو نبي ، فكيف يُجدي وهو غير نبي .
ـ إن قولَ السفهاءِ بهدايةِ أهل الأرضِ جميعًا على يدَي عيسى ، إنما فيه شهادةٌ لكفارِ عصرِنا والعصورِ القادمةِ بالخيريةِ ، وهو ما يُظهرُ عتهًا وبلهًا ، ومرضًا عضالًا قد عششَ في عقولِ هؤلاءِ القائلينَ به . كما غفلوا عن معنىً مهمًا هو للغايةِ : وهو أن مهمةَ الرسُلِ والرسالاتِ ، إنما هي التبليغُ وحسب وليست هدايةَ الناسِ أجمعين .. ولقد قامَ بالمهمةِ نبيُ الإسلامِ على أكملِ وجهٍ وبلغ ونحنُ على ذلك مِن الشاهدين .
ـ وفي الحقيقةِ ، فإنَّ زبدةَ القولِ ، بعد هذا البحثِ ، إنما يتمثلُ في ضرورةِ عدمِ الإتكالِ على الأساطيرِ في نصرةِ دينِ اللهِ ، ومن ثم نصرةَ المسلمينَ أنفسِهم المتدينونَ هم به ، وأنه ليس بدٌ مِن أخذِ زمامِ المبادرةِ كي تكونَ الأمةُ فاعلةً بيدِها لا بيدِ غيرِها إن كانتْ بحقٍ تريدُ النجاةَ في الدنيا والآخرةِ ، و إن كانت تتوخى عقابًا حتميًا على إضاعةِ الدينِ والنفسِ ، وهذا هو عينُه ما كان مِن وراءِ القصدِ والهدفِ مِن تصحيحِ المفاهيمِ في بحثِنا هذا ، لتعلمَ الأمةُ على المستوياتِ الرسميةِ ـ سياسيةً كانتْ أو دينيةً ـ أنَّ فكرَها الاستراتيجي كان باطلًا ، وأن النجاةَ في الدنيا والآخرةِ إنما تكمنُ في مخالفةِ المنهج السياسي الذي بيناهُ في ” الخيط الرفيع ” ، وفي المنهجِ الديني والعلمي كما بيناهُ ، في ” لحظات حاسمة ” واللهُ مِن وراءِ القصدِ ، وهو تعالى الموفقُ والهادي إلى سواءِ السبيل .

ياسر شلبي محمود
كاتب ومفكر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى